بقلم : طلال النعيمي / المانيا
تناهت الى سمعه صرخات موجعة , اعقبها صراخ طفل وليد , من تلك الزنزانة الانفرادية ... فيسرع الخطى نحوها , والبهجة تتقد من وجهه الشاحب القبيح , فالبطن المنتفخة لنزيلة الزنزانة , قد تقلصت بعد المخاض ....ويدخل الزنزانة , وبروح خبيثة يفـتل شاربه الاسود الكثيف , ويقف محدقا في هذه السجينة المسكينة , وفي طفلها المولود للتو ... فتطأطئ رأسها , والحياء يمزقها اكثر من الم المخاض , انها تتمنى الموت في هذه اللحظة السوداوية , فما عادت للحياة قيمة في نظرها , بعد هذه المأساة التي ابتليت بها ...وبعد ان قتل البعثيون زوجها الحبيب , واقتادوها الى هذا المكان الرهيب , بعد تجريمها بعدم الاخبار عن زوجها الفار من الجيش ....الجيش المساق قسرا نحو طاحونة الموت , لمحاربة اول جمهورية اسلامية , وبعد لحظات من الصمت الرهيب , ارتعدت لها فرائصها ...يتركها , فتبقى تنظر الى طفلها الوليد , لتستعيد من خلاله وجه زوجها الشهيد ... ولوهلة , تقفز الى مخيلتها ذكريات الامس , فتتذكر يوم زواجها ...انه اسعد يوم في حياتها , ففيه منحها الله زوجا صالحا , يحبها وتحبه , تستمد الفرح والامان من عينيه , ويستمد هو قوة لمواجهة عقاب الدهر من عينيها ... ولكن الطغاة لايريدون لاحد ان يمتلك اية قوة للمواجهة .... يريدون هدم كل القوى الخيرة , لكي يبنوا على انقاضها شعبا ذليلا ينقاد الى افكارهم ومخططاتهم الخبيثة انقيادا اعمى , بلا ادنى تفكير ونقاش !! لذلك امتدت مخالب الاثمين لتسكت انفاس الخيرين .... ومنهم زوجها الحبيب ...وهنا تنسكب من عينيها الذابلتين دموع تفتت الصخر الاصم , وتكسر كل القلوب الا قلوب البعثيين الطغاة ....وفجأة ...تسمع وقع اقدام , وتنظر بخوف بالغ الى هذا الوحش البشري القادم نحوها , تراه يفـتل شاربه مقهقها , وتقرأ في عينيه الخسة والحقارة ...ترى فيه سبب آلام كل عراقي وعراقية , فقد حول البلد المقدس الى وعاء يفرغ فيه ظلمه وكفره وطغيانه و....
ويأمرها بالنهوض ....وحين لم تستطع , يمد يده الخبيثة الى كتفها ويجرها بقوة ...تصرخ مذعورة .
الى اين تريد بي ...دعني اجلب الطفل , انه التركة الوحيدة التي خلفها زوجي لي ...انه ........... ويرفسها بشدة , ويرفع الطفل الذي راح يصرخ بشدة , الى الاعلى ويقول لأمه المنكوبة ( خذي طفلك !! ) ويقذف به الى الحائط الاسمنتي بكل قوة , فتسكت انفاسه سكتة ابدية , فتذهل الام وهي ترى جسد طفلها الوليد غارقا في بركة من دمه ...تصرخ ...وتضرب رأسها بالحائط بقوة , علها تموت لتتخلص من هذه المأساة العظيمة ...لكنه لايدعها تموت حسب ماتشتهي , بل يجرها من شعرها الاسود الطويل , الذي كان ملفوفا بوشاح قبل ان يأتوا بها الى هذا المكان الرهيب ...ويدفعها الى شرذمة من رجاله الاوباش , فيجرها هؤلاء منتقلين بها من مكان الى آخر , وهي والهة حائرة , ويأمروها أن تركب السيارة معهم مؤكدين لها انهم سيوصلونها الى بيتها ...فتركب وهي في حالة يرثى لها , وتصل السيارة وتتوقف في ساحة كبيرة , فتنزل والاوباش يحيطون بها ...وتنظر بذهول شديد الى ما حولها , ترى مجموعة كبيرة من الناس محتشدين في الساحة , تهمس لنفسها ...-( هذا مرقد زيد النار ...وهؤلاء اهلي وعشيرتي ...وفي منعطف هذا الطريق يقع بيتي الذي كان يضمني وزوجي ...آه كم كانت ليلة رهيبة سوداء عندما اقتادوا زوجي واعدموه في هذه الساحة ...!! )
وتحدق بذهول شديد في ارجاء الساحة , وحين تلتصق عيناها بخشبة الاعدام .. !! تصرخ بقوة ... كلا ...كلا ... وتحمل الى خشبة الاعدام , وتنظر الى الجموع التي جاء بها الطغاة بالجبر والاكراه لترى عملية اعدام امرأة مجاهدة ! وقبل ان يتحول جسدها الشريف الطاهر الى جثة هامدة تتدلى بحبل المشنقة , تصرخ ....
ايها الشرفاء ....
اجعلوا من دماء الشهداء محجة بيضاء لعزة اسلامكم وعزتكم ...
سبيلا لحريتكم وكرامتكم ...
لاتنسوا دم الشهيد فينساكم الله ....
اصلتوا سيف الحق في وجه الباطل والبغي
وتنتهي ....
لتعيش في ضمائر وقلوب كل الطيبين ...لتكون طريقا غراء لأهداف المجاهدين ....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حدثت هذه القصة في مدينة الديوانية حيث اعدمت زوجة الشهيد عبد الكاظم وذلك في الساحة المقابلة لمرقد ابي الفضل زيد النار في الديوانية – مقابل دور الضباط – بعد تجريمها بعدم الاخبار عن زوجها الهارب من الجيش والمختبئ في الدار , وكان قد القي القبض عليه في الشهر الرابع من عام 1984 , وتم اعدامه رميا بالرصاص في الساحة المذكورة , وأرجئ تنفيذ الحكم بزوجته الى ان تضع حملها , وبعد وضعها الطفل في زنزانات صدام , اقتيدت الى الساحة المذكورة وشنقت هناك في بداية الشهر الثامن عام 1984 وتم تنفيذ الحكم امام الناس واهل الشهيدين الذين اجبروا على الحضور بالقوة ...