بعد التحكيم الذي جرى في حرب صفين ، تمردت فئة على الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، و سمّيت هذه الفئة الخوارج ، و اعطاهم الإمام ( عليه السلام ) الفرص الكثيرة ، ليعودوا إلى رشدهم ، لكنهم استمروا في غيّهم ، و قاموا بتشكيل قوة عسكرية ، و اعلنوا استباحتهم لدم الإمام علي ( عليه السلام ) ، و دماء المنتمين إلى عسكره ، و استعدوا لمنازلة جيش الإمام ، فقاتلهم الإمام ، و قضى ( عليه السلام ) عليهم في معركة النهروان .
و كان جماعة من الخصوم ـ الذين يؤيدون الأفكار المنحرفة للخوارج ـ قد عقدوا اجتماعاً في مكة المكرمة، و تداولوا في أمرهم الذي انتهى إلى أوخم العواقب ، فخرجوا بقرارات كان أخطرها اغتيال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، و قد أوكل أمر تنفيذه للمجرم الاثيم عبد الرحمن بن ملجم المرادي ، و في صبيحة اليوم التاسع عشر من شهر رمضان المبارك عام 40 هـ ، امتدت يد اللئيم المرادي إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، إذ ضربه بسيفه في صلاة نافلة الفجر في مسجد الكوفة الشريف ، بينما كانت الأمة آنذاك تتطلع إلى النصر على قوى البغي و الضلال التي يقودها معاوية في الشام.
لقد بقي الإمام علي ( عليه السلام ) يعاني من تلك الضربة اللئيمة ثلاثة أيام ، عهد خلالها بالإمامة إلى ولده الحسن السبط ( عليه السلام ) ، و طوال تلك الأيام الثلاثة كان ( عليه السلام ) ، يلهج بذكر الله و الرضا بقضائه و التسليم لأمره ، كما كان يصدر الوصيّة تلو الوصيّة ، داعياً لإقامة حدود الله عزّ و جل ، محذراً من الهوى و التراجع عن حمل الرسالة الإسلامية و بهذه المناسبة نقتطف جزءً من وصيته التي خاطب بها الحسن و الحسين ( عليهما السلام ) و أهل بيته و أجيال الأمة الإسلامية في المستقبل: « كونا للظالم خصماً و للمظلوم عوناً . أوصيكم، وجميع ولدي و أهلي و من بلغه كتابي ، بتقوى الله ، و نظم أمركم ، و صلاح ذات بينكم .. ، الله الله في الأيتام .. ، الله الله في جيرانكم .. ، الله الله في القرآن .. ، الله الله في بيت ربكم ، لاخلوه ما بقيتم .. ، الله الله في الجهاد بأموالكم و انفسكم و ألسنتكم في سبيل الله و عليكم بالتواصل و التباذل ، و إياكم و التدابر و التقاطع ، لاتتركوا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فيولى عليكم شراركم ، ثم تدعون فلايستجاب لكم .. ، انظروا إذا أنا متّ من ضربته هذه فاضربوه ضربةً بضربة ، و لاتمثلوا بالرجل ، فاني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) يقول: إياكم و المثلة ولو بالكلب العقور ».