ثقافة شعبية: شارع الرشيد... عبق الماضي

ثقافة شعبية: شارع الرشيد... عبق الماضي
يعتبر شارع الرشيد من اقدم الشوارع التاريخية المهمة في بغداد حيث يكمن فيه جوهر العطاء البغدادي ويبقى هذا الشارع رمزا عزيزا من رموز عاصمتنا العراقية بغداد ومكانا تراثيا جميلا يرتبط بوجدان وذكريات البغداديين بل العراقيون جميعا.

شارع الرشيد يعني مدينة بغداد الحبيبة، وهو الشريان الرئيس للحركة التجارية والمرورية والدرب الموشى بالذكريات الذي يرتاده اهالي بغداد والوافدون اليها من العرب والاجانب عندما يقصدون بغداد لشراء الحاجيات التي لا يجدونها الا في شارع الرشيد والاسواق المتصلة به كسوق الشورجة وسوق الصفارين وسوق البزازين وسوق الغزل وسوق السراي وسوق الهرج وسوق الذهب وغيرها. هذا الشارع من انجازات خليل باشا اخر والي عثماني لمدنية بغداد حيث تم افتتاحه في 23 تموز سنة 1916 وهو يوم اعلان الدستور للعراق وسمي في اول الامر باسم (جادة خليل باشا)ثم اطلق عليه الانكليز عند احتلالهم لبغداد في 11 اذار 1917 اسم الشارع الجديد وسمي بعد ذلك بشارع الرشيد نسبة الى الخليفة العباسي هارون الرشيد وقد ثبت تاريخ بنائه على كاشية مثبتة على جدار قاعدة منارة جامع السيد سلطان علي في الزاوية المستقبلة للجنوب، يمتد هذا الشارع العريق من منطقة باب المعظم التي تسمى باب السلطان الكائنة ازاء جامع الازبك وقد هدمت هذه الباب عام 1925 لتوسيع الشارع الذي يصل الى منطقة الباب الشرقي حيث باب سور بغداد العظيم التي كانت تسمى بالباب البصلية او باب كلواذي التي ازيلت في مطلع القرن العشرين.
وتطل على هذا الشارع الفلوكلوري العريق المباني الاثرية والمعالم الشاخصة، كجامع مرجان وجامع الحيدر خانة وجامع سيد سلطان علي والمتاحف البغدادية والشعبية وبعض المباني والبيوت البغدادية التي تميز بناؤها بالشناشيل الخشبية البغدادية ذات الزخارف الجميلة والرواق المتسلسل الذي يحمي المارة من حرارة الشمس في ايام الصيف الحارة ويقطع شارع الرشيد بامتداده الكثير من الدروب والازقة الشعبية والاسواق التراثية كسوق الشورجة الذي يعتبر لدى البغداديين عموما التواصل الحي بين عبق الماضي والحاضر بنكهة التراث الاصيل وسوق البزازين الذي كان يعرف قديما بسوق (الجوخجية) وسوق الصفارين الذي يعتبر جزءاً من محلة سوق الصفافير ولهذه السوق مكانة اثيرة في نفوس البغداديين منذ زمن بعيد. وسوق الهرج وسوق الميدان في منطقة باب المعظم قرب جامع الاحمدي، كما اشتهرت في شارع الرشيد مقاه تراثية عريقة منها مقهى سبع ومقهى عزاوي الذي كان يرتاده المغنون والفنانون والشعراء وفيها تقول الاغنية (ياكهوتك عزاوي بيها المدلل زعلان) وكان المرحوم احمد الزيدان يقرأ فيها المقام ومقهى حمادي ومقهى حسن عجمي ومقهى الزهاوي ومقهى الشابندر ومقهى عارف اغا ومقهى البلدية ومقهى البرازيلية ومن المقاهي ايضا مقهى ام كلثوم وكهوة سيد سلطان علي ومقهى شط العرب وهناك ايضا دور العرض السينمائية التي شيدت في شارع الرشيد من ابرزها دار سينما اولمبيا ورويال سينما وسينما بين النهرين عام 1920 وسينما الوطني والزوراء وسينما الحمراء وسينما الرشيد والرافدين وسينما روكسي وسينما ريكس وسينما علاء الدين وسينما الاوبرا وسينما الخيام الفخمة التي شيدت في منتصف الخمسينيات في احد فروع الشارع.
وعن موضوع اختيار المهندس الذي خطط لشارع الرشيد لمكان هذا الشارع بالذات يقول الصحفي الكبير الراحل الاستاذ (صادق الازدي) انه المكان المناسب بين باب المعظم والسنك ومع ان المهندس كان يعرف ان الخط المستقيم هو اقصر الخطوط بين النقطتين الا انه جعل شارع الرشيد غير مستقيم ليس لان العمارات العالية كانت على جزء يمر الشارع بها وانما لسبب اخر...؟
وقد ذكر المرحوم رؤوف الجادرجي بان العوائل البغدادية المتنفذة تدخلت لحرف الشارع عن خطه حتى تطل دورها عليه او لانها حريصة على دورها الحسنة البناء والمتوارثة عن الاباء والاجداد وهكذا لم يات شارع الرشيد مستقيما كما ينبغي وكان الجزء الواقع منه مقابل سوق الشورجة اضيق جزءاً فيه.
اما عن اول سيارة دشنت شارع الرشيد بعد تبليطه في اوائل ايلول 1926 فكانت سيارة الملك فيصل الاول رحمه الله بعد عودته من اوروبا حيث اتضح ذلك من خلال ارشيف امانة العاصمة لعام 1926 وفي عهد المرحوم نشأت السنوي امين العاصمة الاسبق ومن الجدير هنا ان نشير الى ان المشرفين على تبليط شارع الرشيد انذاك هم المهندس العراقي علي رأفت والمهندس الانكليزي (كابان) وتضمنت اعمال التبليط ايضا مد انابيب المجاري.. واليوم بدا هذا الشارع الذي يعتبر ذاكرة بغداد وقلبها النابض حزينا متأسيا يبكي ماضيه التليد حيث مر خلال الاعوام الماضية بظروف عصيبة جراء تردي الوضع العام للبلد، حيث ضعفت حركته ونشاطه واهمل بدون صيانة، وتغيرت بعض ملامحه التراثية... والان يأمل البغداديون بان تقوم الجهات المعنية وبعد تحسن الوضع الامني في البلاد الى صيانة واعادة ترتيب هذا الشارع العريق الحيوي، وتعيد اليه حيويته واشراقته، لان السابلة الذين يمرون بهذا الشارع اليوم يسترجعون ذكرياتهم الجميلة وانطباعاتهم وتأملاتهم عنه التي مازالت تعمر في الذهن والمخيلة حيث وكما يقول الشاعر احمد شوقي: والذكريات صدى السنين الحاكي.